وثيقة بكركي: ما بعدها لن يكون كما قبلها
ليا القزي
قررت البطريركية المارونية إصدار وثيقة وطنية في الخامس من شباط المقبل، تهدف، وفق ما تراه، إلى إنقاذ ما تبقى من الدولة. هي ليست المرة الأولى التي تقرع فيها بكركي أجراسها، فيترقب الجميع ما سيصدر عن سيد الصرح. منذ عام ٢٠٠٠ تشغل البطريركية نفسها ببيانات تترافق مع محطات مصيرية في لبنان. البداية، والبيان الذي اعتبر الأهم، كان بيان المطارنة الموارنة في أيلول عام 2000 برئاسة البطريرك السابق نصرالله صفير.
اكتسب البيان الذي سمّي «نداء» أهميته ممّا تضمنه من دعوة الى إعادة انتشار الجيش السوري على الأراضي اللبنانية تمهيداً لانسحابه «وإعادة السيادة كاملة إلى اللبنانيين». وسبق ذلك تأسيس «لقاء قرنة شهوان» برعاية المطران يوسف بشارة. بعد ذلك، تلاحقت الوثائق والبيانات، بعضها دمغ بالسرية، فيما نشر بعض آخر، وتعاونت في قسم منها، ولا سيما السرية، مع الرئيس الراحل رفيق الحريري. فاستناداً إلى مذكرات البطريرك صفير التي نشرها الصحافي أنطوان سعد، أدّت لقاءات عدة عقدت بين ممثلين عن صفير والحريري إلى وضع وثيقة سرية سبقت التمديد للرئيس السابق إميل لحود،«تقوم على مبادئ عدة، أولها الاستحقاق الرئاسي الذي يشكل محطة أساسية في تاريخ لبنان»، وقد التقى الاثنان في حينه على معارضة التمديد المفروض من القيادة السورية.
اليوم، وبعد أن خسرت بكركي معركة إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية لأسباب عدة، وبعدما سارت الأحزاب المسيحية، باستثناء التيار الوطني الحر، في التمديد لمجلس النواب خلافاً للدستور، ومع اقتراب استحقاق رئاسة الجمهورية والتخوف من فراغ دستوري، وأمام مشكلة مسيحيي الشرق واللاجئين السوريين، تبدو بكركي أكثر من أي وقت مضى في حاجة الى دق ناقوس الخطر عبر وثيقة وطنية تعبّر عن رأيها في معظم الملفات على الساحة اللبنانية. لن يكون ما قبل الوثيقة كما بعدها، «فأحد لن يستطيع القول بعد يوم الاربعاء المقبل أن البطريرك بشارة الراعي يُصدر مواقف من دون تخطيط، إضافة الى أن حرب المطارنة الاعلامية ستخف بالتأكيد»، على ما قال أحد الذين واكبوا وضع الوثيقة التي أكد أنها «ليست ظرفية». وهي تختلف أيضاً عن سابقاتها بكونها «غير محصورة بموضوع معين، بل هدفها مقاربة كل المواضيع الاشكالية».
بدأ العمل على الوثيقة في آب الماضي، وساهم في كتابتها المطرانان بولس صياح وسمير مظلوم والوزير السابق روجيه ديب. يؤكد المصدر أن أي حزب سياسي لم يشارك في كتابتها، «إلا أن اجتماعات الراعي الدائمة طيلة تلك الفترة مع حزب الله وتيار المستقبل ساهمت في تبادل الافكار، خصوصاً في موضوع قانون الانتخاب».
لن تورط الوثيقة بكركي سياسياً، «فهي استراتيجية، الهدف منها إبراز موقفها، محاولة استشراف الحلول وخلق دينامية للتحاور بين الجميع من دون أن تدّعي أنها شاملة وستحل مشاكل البلد»، فيما لا ينكر المصدر أن البطريركية لم تستطع الهروب من «استعمال اللغة الخشبية في بعض المحاور».
تنقسم الوثيقة الى ثلاثة أبواب: الثوابت الوطنية، الهواجس والإصلاحات، وإن كانت مضامينها تتداخل. في الثوابت تركز الوثيقة على «الشراكة التي تمر بأزمة حقيقية منذ فترة». وجاء في هذا الصدد أن «الشراكة يجب أن تكون فعلية تساهم في سد الثغرات الدستورية، إقرار قانون انتخاب عادل وتفعيل دور المسيحيين في الادارات العامة». يجب أن يعي المسيحيون أيضاً أن «دورهم في الوطن أهم من عددهم». هناك تكرار لعناوين مثل حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية «والتي يعتبر المسيحيون جزءاً منها». الوثيقة وطنية رغم أن أي طرف مسلم لم يشارك فيها، إن كان عبر الافكار أو الكتابة. يبرر مصدر في بكركي الامر بأن «دور الصرح وطني، وصدور الوثيقة عنّا لا يعني أنها مذهبية، ولو أنها تحاكي أولاً هواجس المسيحيين، لأن هذا دورها».
يتصدر الهواجس موضوع بيع الأراضي ومشكلة اللاجئين. لا تغوص الوثيقة في التفاصيل، الا أنها تطرح «تدابير عملية». كذلك فإنها لا تتحدث عن المؤسسة المالية العقارية التي تعمل بكركي على إنشائها حالياً.
أما في الموضوع السوري، فهي تعرض سبل امتصاص مشكلة تدفق اللاجئين وأعدادهم الكبيرة، إضافة الى نقاش الوضع المسيحي. ستركز في هذا الاطار على تداعيات أزمة اللاجئين على لبنان وليس وضع المسيحيين في سوريا والخطر الذي يتربص بهم. أخيراً، في موضوع الأولويات يأتي انتخاب رئيس جديد للجمهورية ودور المسيحيين في لبنان. تذهب بكركي في عرضها لموضوع رئاسة الجمهورية «إلى ما هو أبعد من الاستحقاق في حدّ ذاته، واضعة خارطة طريق للمرحلة المقبلة». أصبح واضحاً أنها لا تريد التمديد، كما أنها تتخوف من الفراغ، «خصوصاً إذا تم تشكيل حكومة جامعة». لذلك تريد رئيساً «يتواصل مع الجميع، يؤمن بالشراكة، يواجه التحديات، ويسد الثغرات الدستورية». لكن هذا لا يعني تعديل اتفاق الطائف«بل بعض مواد الدستور التي تعرقل عمله». وتتشعب من هذه الاولوية «التعيينات في الادارات العامة، والاتفاق على قانون انتخابي جديد».
يؤكد المصدر أن الفاتيكان «لم يكن في جو الوثيقة ولم يطّلع على تفاصيلها، فهذا أمر داخلي»، ولكن «بكركي حرصت على أن تنسجم ورقتها مع أدبيات الكنيسة الأم». تصرّ بكركي عند كل استحقاق على أن تقول كلمتها. هذه المرة ليست ظرفية «بل استراتيجية». كذلك فإن الراعي «يجد نفسه بحاجة الى أن يزيل الالتباسات عن مواقفه»، ويحدد طريقة عمله في المرحلة «الحساسة» المقبلة.
Mohamed Samehالجمعة يناير 31, 2014 6:33 pm