الحريري يخاطب شارعاً يبتعد عنه
ميسم رزق
بعد رسالة «جبهة النصرة» إلى الطائفة السنّية في لبنان، الأسبوع الماضي، مطالبة أبناءها بـ«الابتعاد عن المناطق والمقرات التابعة لحزب الله» لأنها ستكون هدفاً لها، أصدر الرئيس سعد الحريري بياناً مُضاداً دعا فيه الطائفة إلى عدم الانجرار إلى مثل هذه «الدعوات المشبوهة». ولكن، هل لا يزال الحريري يعتقد، فعلاً، أنه «يمون» على الشارع السنّي، كما منذ 14 آذار 2005، في وقت يبدو فيه المزاج الشعبي في واد آخر يسرح فيه المتطرفون غير الوادي الذي يقيم فيه زعيم تيار المستقبل؟
يتحدث الحريري الى شارعه وكأنه الممثل الشرعي والوحيد والشرعي له، ويقدّم نفسه الى خصومه كـ«الخيار السنّي الوحيد المعتدل» الذي لا يزال التعاطي معه متاحاً، فيما يرى مطلعون على أحوال المستقبل أنه «لن يفلح في إقناع الطرفين». يبدو زعيم المستقبل في وضع لا يُحسد عليه. فمن جهة، كيف يمكن لجم الشارع السنّي بعدما غذّى نوّاب المستقبل، خصوصاً الشماليين منهم، التجييش الطائفي والمذهبي الذي جعل شارعهم يسبقهم بأشواط الى حد إطلاق النار ابتهاجاً لوقوع عمليات تفجير تستهدف مدنيين في مناطق حزب الله. ومن جهة أخرى، كيف سيقنع خصومه باعتداله المفاجئ بعد دعم تياره المادي والعسكري لـ«الثوار السوريين» وتغطية تحركاتهم. وهو حتى لو أقنعهم بذلك، فهل في قدرته ترجمة اعتداله هذا تهدئة في الشارع؟
تقر مصادر في المستقبل بـ«الورطة الحريرية»، وتعرب عن خشيتها من أن يؤدي الانفتاح الحريري الأخير الى «مواجهة مع شارعه الذي بات أقرب الى المتطرفين منه الى المعتدلين» في وقت «تفرز فيه الطائفة قيادات جديدة تخطّى حضورها في الشارع حضور المستقبل بأشواط كبيرة». ويتفاقم المأزق الحريري لأن الشارع السنّي قد يرى في مواقفه الأخيرة، وخصوصاً ردّه على بيان «النصرة»، «تقاطعاً مع خطاب حزب الله والنظام السوري اللذين يطلقان حملة كبيرة في وجه التطرف السنّي». ويقول هؤلاء إن الرئيس الحريري «بإدانته هذه الجماعات، يقدّم لحزب الله، تحديداً، موقفاً يريده على طبق من فضة، وعلى الحزب أن يبادله بالانفتاح لأنه، في مكان ما، وضع نفسه في مواجهة هؤلاء إلى جانب حزب الله»!
لا تخفي المصادر المستقبلية خشيتها من «انفلات الشارع الذي بات يفتقد منا حدّاً أدنى من اللغة التي ترضيه». ويضيفون أنه «في ظل تصاعد هذه الحركات المتطرفة وعملها المتواصل على تثبيت وجودها»، وفي ظل «سعي كثيرين منها إلى المزايدة في الدفاع عن حقوق الطائفة السنية ورفع المظلومية عنها، لن يعود هناك للحريري كلمة مؤثرة، ما دام فارغ اليدين سياسياً ومادياً وخدماتياً». وكل هذه العناصر مجتمعة «تجعل منه زعيماً فاقداً للسيطرة على طائفته وشارعه».
ولا تخلو مرارة المستقبليين البعيدين عن دائرة المستشارين الضيقة من مسحة سخرية مشوبة بغضب من الطاقم الاستشاري المحيط بالرئيس الحريري، والذي لا يبدو أنه «يحدّث» له معلوماته عمّا يجري «داخل طائفة يُدفع أبناؤها إلى الموت». وهم يقرّون بأن ما يجري هو «تحصيل حاصل لسياسة التيار الفوضوية، بفعل غياب التخطيط الممنهج، حتى أكلت كل الحركات المتطرفة في لبنان من صحنه وباتت لها كياناتها الزعاماتية والسلطوية داخل الطائفة السنّية».
بطبيعة الحال، يبدو صوت الحريريين المتخوفين من الأسوأ غير مسموع حتى الساعة. يتكلمون، يناقشون وينتقدون داخل أروقة تيار المستقبل، لكن من دون جدوى، بسبب مشاكل التيار السياسية والمادية. في رأيهم «حان الوقت لصدمة إيجابية تعيد لنا أمجادنا، حتى لا نضطر إلى مغادرة البلد، وبدلاً من أن يعود إلينا سعد الحريري، نلحق به إلى باريس أو الرياض».
Mohamed Samehالجمعة يناير 31, 2014 5:44 pm