فِي أثناء ذهاب محمود للمدرسة كلَّ صباحٍ تقع عيناه على ذلك المسجدِ الصَّغير الذي يُشِيدُه بعضُ أهلِ الخير، وحين عودتِه من المدرسة يرَى العُمَّالَ وهم يعملون بجدٍّ ونشاطٍ في البناء والتَّشييد ورفع الأحجار، كلَّ مرَّةٍ يمرُّ محمود من هذا الطَّريق يرمُق هذا المسجدَ الجديدَ ويدور في عقلِه سؤالٌ واحدٌ.. متى يكتمل هذا المسجدُ ويزخَر بالمُصَلِّين السُجَّدِ الرُّكُوع؟
ذاتَ مساءٍ جلس الوالدُ جوارَ صغيرِه محمود حينما رَآهُ شاردًا وكأنَّه يُفكِّر في أمرٍ ما، سأله والدُه مُداعباً: أراك مشغولاً أيُّها الصَّغير.. ماذا يَشغلك عنَّا؟
أفاق محمود من شروده على صوتِ والده فسأله في حيرةٍ: أبي.. في أثناء ذهابي للمدرسة ألمحُ مسجدًا جديدًا تحت الإنشاء.. هل تعرفه؟
أجابه والده بثقةٍ: طبعا أعرفه.. إِنَّهُ مسجدُ الرَّحمن.
تهلَّل وجهُ محمود وهو يسأل والدَه: ومَنِ الذي يتكفَّل بمصاريف البناء يا أبي؟
أجابه والدُه: أهلُ الخير من أبناء مدينتنا.. الجميعُ يُساهم؛ كي ينالَ هذا الثَّوابَ العظيمَ.
ظهرتْ علاماتُ التَّفكير على وجه محمود وهو يسأل والدَه بصوتٍ هامسٍ: وهل هناك مبلغٌ مُحَدَّدُ يجب التَّبَرُّعُ به؟
أطلق الوالدُ ضِحْكَةً حانيةً وهو يُرَبِّتُ على كَتِفِ محمود قائلاً: اللهُ لا يشترط علينا في الصَّدقات.. كلٌّ حَسْبَ قدرتِه.. مَن لا يَملك مالاً لا إثمَ عليه.. بل يُمكنه أنْ يُشاركَ بصَنْعَتِه أو حِرْفته كي يكتملَ البناءُ.
تهلَّل وجهُ محمود وهو يحتضن والدَه قائلا: هل هذا يعني أنَّ مصروفي يكفي كتبرُّعٍ لبناء المسجد؟
أجابه والده في ثقةٍ: بالطَّبع.. وسيفرح اللهُ بك كثيرًا لأنَّك ساهمْتَ في بناء بيتٍ من بيوت الله.
نام محمود وهو يحلم بقدوم الصباح، ومع نسمات الصَّباح الأولى ارتدى محمود ثيابَه وأخذ مصروفَه والتقط حقيبةَ المدرسةِ مسرعاً على غيرِ عادتِه، وما أن مر بالمسجد حتَّى أسرع إلى ذلك الصُّندوقِ الصَّغير الموضوع للتَّبرُّعات، أخرج محمود مصروفه من جيبه، تأمَّل الرِّيال قليلاً ثم قبَّله قُبْلَةً حانيةً قبل أن يضعَ الرِّيال في الصُّندوق ويُوَاصِلَ سيرَه للمدرسة وهو سعيدٌ لأنَّه أصبح منهم.. مِن أهل الخير.
بارك الله فيك
دمت لنا ودام قلمك
K!M0الأربعاء فبراير 19, 2014 3:22 am