لناسُ عليك لا لك
إنَّ العاقل الحصيف يجعلُ الناس عليهِ لا لهُ، فلا يبني موقفاً، أو يتخذ قراراً يعتمدُ فيهِ على الناسِ، إن الناس لهمْ حدودٌ في التضامنِ مع الغيرِ، ولهمْ مدىً يصلون إليهِ في البذلِ والتضحيةِ لا يتجاوزونهُ.
انظرْ إلى الحسينِ بنِ عليٍّ - رضي اللهُ عنهُ وأرضاهُ - وهو ابنُ بنتِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، يُقتلُ فلا تنبسُ الأمَّةُ ببنتِ شفةٍ، بل الذين قتلوهُ يكبِّرون ويهلّلون على هذا الانتصارِ الضخمِ بِذبحِهِ!! ، رضي اللهُ عنه. يقولُ الشاعرُ:
جاؤوا برأسِك يا ابن بنتِ محمدٍ ... مُتزمِّلاً بدمائِهِ تزميلا
ويُكبِّرون بأنْ قُتلت وإنما ... قتلوا بك التكبير والتهليلا
ويُساق أحمدُ بنُ حنبلٍ إلى الحبسِ، ويُجلدُ جلداً رهيباً، ويشرفُ على الموتِ، فلا يتحرّكُ معهُ أحدٌ.
ويُؤخذُ ابنُ تيمية مأسوراً، ويركبُ البغل إلى مصر، فلا تموجُ تلك الجموعُ الهادرةُ التي حضرتْ جنازتهُ، لأنَّ لهمْ حدوداً يصلون إليها فَحَسْبُ، {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً} ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} ، {إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً} .
فالزمْ يديْك بحبلِ اللهِ معتصماً ... فإنَّهُ الركنُ إنْ خانَتْك أركانُ