المؤمن الصادق شكور صبور
--------------------------------------------------------------------------------
مَا أَصَابَ مِن مصِيبَةٍ فِي الأرضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ من قَبْلِ أَن نبْرَأَهَا إِن ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ. لكيلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لا يُحِب كُل مُخْتَالٍ فَخُورٍ. الذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَل فَإِن اللهَ هُوَ الْغَنِي الحميدُ
في هذه الآيات الكريمة يؤكد الحق سبحانه أن كل شيء في هذه الحياة خاضع لقضاء الله تعالى وقدره، وأن على المؤمن الصادق أن يكون شاكرا عند الرخاء، صابرا عند البلاء.
وقوله “في الأرض” إشارة إلى المصائب التي تقع فيها من فقر وقحط وزلازل وقوله “ولا في أنفسكم” للإشارة إلى ما يصيب الإنسان في ذاته، كالأمراض والهموم.
والمراد بالكتاب: اللوح المحفوظ، أو علمه عز وجل الشامل لكل شيء.
وقوله: “نبرأها” من البرء بمعنى الخلق والإيجاد، والضمير فيه يعود إلى النفس أو إلى الأرض، أو إلى جميع ما ذكره الله تعالى من خلق المصائب في الأرض والأنفس.
والمعنى: واعلموا أيها المؤمنون أنه ما أصابتكم مصيبة في الأرض كالقحط والزلازل، ولا في أنفسكم كالأسقام والأوجاع إلا وهذه المصيبة مسجلة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وهذا التسجيل كائن من قبل أن تخلق هذه الأنفس، وهذه المصائب.
لا جزع ولا طغيان
واسم الإشارة في قوله “إن ذلك على الله يسير” يعود إلى الكتابة في الكتاب. أي أن ذلك الذي أثبتناه في لوحنا المحفوظ وفي علمنا الشامل لكل شيء قبل أن نخلقكم، وقبل أن نخلق الأرض، يسير وسهل علينا، لأن قدرتنا لا يعجزها شيء، وعلمنا لا يعزب عنه شيء.
فالآية الكريمة في بيان أن ما يقع في الأرض وفي الأنفس من مصائب ومن غيرها من مسرات مكتوب ومسجل عند الله تعالى قبل خلق الأرض والأنفس.
وخص سبحانه المصائب بالذكر، لأن الإنسان يضطرب لوقوعها اضطرابا شديدا، وكثيرا ما يكون إحساسه بها، وإدراكه لأثرها، أشد من إحساسه وإدراكه للمسرات.
ومن الآيات التي تشبه هذه الآية في معناها : “قُل لن يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكلِ المؤْمِنُونَ”.
ثم يبين الله الحكم التي من أجلها فعل ذلك فقال “لكي لا تأسوا على ما فاتكم. ولا تفرحوا بما آتاكم” أي: فعلنا ما فعلنا من إثبات ما يصيبكم في كتاب من قبل خلقكم، وأخبرناكم بذلك، لكيلا تحزنوا على ما أصابكم من مصائب حزنا يؤدي بكم إلى الجزع، والى عدم الرضا بقضاء الله وقدره ولكيلا تفرحوا بما أعطاكم الله تعالى من نعم عظمى وكثيرة، فرحا يؤدي بكم إلى الطغيان والى عدم استعمال نعم الله تعالى فيما خلقت له، فإن من علم ذلك علما مصحوبا بالتدبر والاتعاظ هانت عليه المصائب، واطمأنت نفسه لما قضاه الله تعالى، وكان عند الشدائد صبورا وعند المسرات شكورا.
مباشرة الأسباب
ثم ختم سبحانه الآية الكريمة بقوله “والله لا يحب كل مختال فخور” أي والله تعالى لا يحب أحدا من شأنه الاختيال بما آتاه سبحانه من نعم دون أن يشكره تعالى عليها، ومن شأنه أيضا التفاخر والتباهي على الناس بما عنده من أموال وأولاد وإنما يحب الله تعالى من كان من عباده متواضعا حليما شاكرا لخالقه عز وجل .
إن هاتين الآيتين سكبتا في قلب المؤمن كل معاني الثقة والرضا بقضاء الله في كل الأحوال. وليس معنى ذلك عدم مباشرة الأسباب التي شرعها الله تعالى لأن ما سجله الله في كتابه علينا قبل أن يخلقنا لا علم لنا به، وإنما علمه مرده إليه وحده تعالى وهو سبحانه لا يحاسبنا على ما نجهله وإنما يحاسبنا على ما أمرنا به أو نهانا عنه عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولقد سجل سبحانه أحوالنا قبل أن يخلقنا، ولكنه شرع الأسباب وأمرنا بمباشرتها، وعندما قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: “أفلا نتكل على ما قدره الله علينا؟” أجابهم بقوله: “اعملوا فكل ميسر لما خلق له”.
K!M0السبت مايو 24, 2014 10:43 pm