من إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه...
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله : ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه ، وإكرام مشاهده وأمكنته من مكة والمدينة ، ومعاهده ، وما لمسه ، أوعُرِف به .
-روي عن صفية بنت نجدة ، قالت : كان لأبي محذورة قُصَّة في مقدم رأسه إذا قعد وأرسلها أصابت الأرض . فقيل له : ألا تحلقها ؟ فقال : لم أكن بالذي أحلقها ، وقد مسها رسول الله بيده .
-وكانت في قلنسوة خالد بن الول يد شعرات من شَعره فسقطت قلنسوته في بعض حروبه ، فشد عليها شدة أنكر عليه أصحاب النبي كثرة من قتل فيها ، فقال : لم أفعلها بسبب القلنسوة ، بل لما تضمنتْه من شعره لئلا أسلب بركتها وتقع في أيدي المشركين .
ورُئي ابن عمر واضعاً يده على مقعد النبي من المنبر ، ثم وضعها على وجهه .
-ولهذا كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة وكان يقول : أستحي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله بحافر دابة .
-وروي عنه أنه وهب للشافعي كراعاً كثيراً كان عنده ، فقال له الشافعي : أمسك منها دابة . فأجابه بمثل هذا الجواب .
-وقد حكى أبو عبد الرحمن السلمي عن أحمد بن فضلويه الزاهد - وكان من الغزاة الرماة - أنه قال : ما مسست القوس بيدي إلا على طهارة منذ بلغني أن النبي أخذ القوس بيده .
-وقد أفتى مالك فيمن قال : تربة المدينة ردية يضرب ثلاثين درة ، وأمر بحبسه ، وكان له قدر ، وقال : ما أحوجه إلى ضرب عنقه ! تربة دفن فيها النبي يزعم أنها غير طيبة .
-وفي الصحيح أنه قال في المدينة : من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً .
~قلت : رواه مسلم في كتاب الحج- باب فضل المدينة، ودعاء النبي r فيها بالبركة. وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها. وبيان حدود حرمها
*حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب. جميعا عن أبي معاوية. قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية. حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب. فيها أسنان الإبل. وأشياء من الجراحات. وفيها قال النبي : " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور. فمن أحدث فيها حدثا. أو آوى محدثا. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. وذمة المسلمين واحدة. يسعى بها أدناهم. ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا". وانتهى حديث أبي بكر وزهير عند قوله "يسعى بها أدناهم" ولم يذكرا ما بعده. وليس في حديثهما: معلقة في قرب سيفه.
*حدثناه حامد بن عمر. حدثنا عبدالواحد. حدثنا عاصم. قال: قلت لأنس بن مالك:
أحرم رسول الله المدينة ؟ قال: نعم. ما بين كذا إلى كذا. فمن أحدث فيها حدثا. قال ثم قال لي: هذه شديدة "من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا " قال فقال ابن أنس: أو آوى محدثا.
-وحكي أن جهجاها الغفاري أخذ قضيب النبي من يد عثمان رضي الله عنه ، وتناول ليكسره على ركبته ، فصاح به الناس ، فأخذته الأكلة في ركبته فقطعها ، ومات قبل الحول
-وقال : من حلف على منبري كاذباً فليتبوأ مقعده من النار .
~ قلت : رواه مالك في الموطأ - باب ما جاء في الحنث على منبر النبي
قال يحيى حدثنا مالك عن هشام بن هشام بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله الأنصاري ان رسول الله قال: من حلف على منبري آثما تبوأ مقعده من النار ..
وأخرجه ابن ماجه وفبه (عند منبري) بدل (على منبري)
*حدثنا عمرو بن رافع ثنا مروان بن معاوية ح وحدثنا أحمد بن ثابت الجحدري ثنا صفوان بن عيسى قالا ثنا هاشم بن هاشم عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله من حلف بيمين آثمة عند منبري هذا فليتبوأ مقعده من النارولو على سواك أخضر
قال الشيخ الألباني : صحيح
-وحُدِّثتُ أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائراً ، وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكياً منشداً :
ولما رأينا رسم من لم يدع لنا فؤاداً لعرفان الرسوم و لا لباً
نزلنا عن الأكوار نمشي كرا مةً لمن بان عنه أن نلم به ركباً
-وحكى عن بعض المريدين أنه لما أشرف على مدينة الرسول أنشد يقول متمثلاً :
رفع الحجاب لنا فلاح لنـــاظر قمر تقطع دونه الأوهـــام
وإذا المطي بنـــا بلغن محمداً فظهورهن على الرجال حرام
قربننا من يخر من وطيء الثرى ولها علينا حرمة و ذمـــام
-وحكي عن بعض المشايخ أنه حج ماشياً ، فقيل له في ذلك ، فقال : العبد الآبق لا يأتي إلى بيت مولاه راكباً ! لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي .
-قال القاضي : وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل ، وتردد بها جبريل وميكائيل ، وعرجت منها الملائكة والروح ، وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح ، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر ، وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله ما انتشر ، مدارس آيات ، ومساجد وصلوات ، ومشاهد الفضائل والخيرات ، ومعاهد البراهين والمعجزات ، ومناسك الدين ، ومشاعر المسلمين ، ومواقف سيد المرسلين ، ومتبوأ خاتم النبيين ، حيث انفجرت النبوة ، وأين فاض عبابها ، ومواطن مهبط الرسالة ، وأول أرض مسَّ جلدَ المصطفى ترابُها ـ أن تُعظَّم عرصاتُها ، وتتنسم نفحاتُها ، وتقبل ربوعها وجدرانها :
يا دار خير المرسلين و من به هدي الأنام وخـص بالآيـات
عندي لأجلك لوعة و صبابــة وتشــوق متوقـد الجمـرات
وعلي عهد إن ملأت محاجـري مـن تكلم الجدران والعرصـات
لأعفرن مصون شيبي بينــها مـن كثرة التقبيل والرشفــات
لولا العوادي ، والأعادي زرتها أبدا ولـو سحباً على الوزجنات
لكن سأهدي مـن حفيل تحيتي لقطـين تلك الدار والحجـرات
أزكى من المسك المفتق نفحـةً تغشاه بالآصال و الـبكــرات
وتخصـه بزواكي الصلــوات ونوامي التلسيم و البـركــات