ميراث في الجنة
دكتور/ بدر عبد الحميد هميسه
حديثنا اليوم عن الجنة ؛ أتدرون ما الجنة ؟ .
إنها التي اشتاق إليها الصالحون وسعى إليها السالكون وعمل لها العاملون وتزود لها المخلصون .
قال تعالى : {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (72) سورة الزخرف.
وقال : {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (63) سورة مريم.
إنها ذات النعيم الخالد والسعادة الدائمة والقطوف الدانية ، إنها سلعة الله الغالية .
فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :
« مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ »
سنن الترمذي (2638 ) صحيح.
يا سلعةَ الرحمن ِلست رخيصة ً ---- بـل أنتِ غالية ٌعلى الكسلان ِ
يا سلعة الرحمـن ليس ينالُها --- في الألـفِ إلا واحـدٌ لا اثنان ِ
يا سلعة الرحمن أين المشتري --- فلقـد عُرِضتِ بأيسـر الأثمان ِ
يا سلعة الرحمن هل من خاطب ٍ --- فالمهرُ قبل المـوتِ ذو إمكان
يا سلعة الرحمن لـولا أنَّهـا --- حُجِـبَتْ بكلِّ مكـاره ِالإنسان
ِما كان قـطُّ من متخلفٍ --- وتَعَــلتْ دارُ الجـزاءِ الثاني
لكنَّها حُجِـبَتْ بكلِّ كـريهـةٍ --- ليُصـدَّ عنها المبطلُ المتواني
وتنالهـا الهـممُ التي تَسْـمُو --- إلى ربِّ العلا بمشيئةِ الرحمن ِ
فاتْعَـبْ ليوْم ِمعادِك الأدنى --- تَجِدْ راحاتهِ يومَ المعادِ الثاني
إنها رجاء المؤمنين وأمل الطائعين وأمان الخائفين وواحة المخبتين .
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
إنَّمَا يُدْخِلُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مَنْ يَرْجُوهَا ،
وَإِنَّمَا يُجَنِّبُ النَّارَ مَنْ يَخْشَاهَا ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ.
مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 232)(35490) صحيح مرسل.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ،
مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟
هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ،
مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟
هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ..صحيح مسلم (7266).
إذا أردتم أن تعرفوا الجنة فاسألوا عنها الصحابي الشهيد جعفر الطيار
- رضي الله عنه - الذي قال شوقاً إليها يوم مؤتة :
يا حبذا الجنة واقترابها --- طيبة وباردٌ شرابها
واسألوا عنها الصحابي الجليل ( حَرَامُ بن ملحان ) رضي الله عنه
لما طُعن نثر الدم على رأسه وهو يقول : فـــــــــزت ورب الكعبة .
وسيد بني سلمة (عمرو بن الجموح ) رضي الله عنه
لما كان يوم أُحد قال صلى الله عليه وسلم :
((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض )) ..
فذهب عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إليه أن يأذن له وقال له:
"يا رسول الله إنّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد،
ووالله إني لأرجو أن أخطر بعرجتي هذه في الجنة".
وأمام إصراره العظيم أذن له النبي عليه السلام بالخروج، فأخذ سلاحه،
وانطلق يخطر في حبور وغبطة،
ودعا ربه بصوت ضارع:"اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي"..
وسّلُوا عنها أنس بن النضر رضي الله عنه حينما قال لسعد بن معاذ :
" واهاً لريح الجنة أجده دون أُحد ".
تسعى بهم أعمالهم سوقاً إلى الــــ --- ـدارين سَوْقَ الخيل للركبان
صبروا قليلاً فاستراحوا دائماً --- يا عــزة التوفيق للإنسان
باعوا الذي يفنى من الخزف الخســـ --- ـــيس بدائم من خالص العقبان
وتَسَابَقَ الأقوام وابتدروا لها --- كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينى في الديار مخلَّفٌ --- مع شكله يا خيبة الكسلان
فيا أيها العاقل : لا تبخل على نفسك بالجنة .
قالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز :" البخيل كل البخيل من بخل عن نفسه بالجنة ".
وهذا عامر بن ثابت بن الزبير رفع يديه بعد صلاة الفجر وقال:
يا رب أسألك الميتة الحسنة التي أدخل بها الجنة ؟ فقال أبناؤه:
ما هي الميتة الحسنة ؟ قال : أن يتوفاني ربي وأنا ساجد ، فحضرته سكرات الموت ،
فقبضت روحه وهو في السجدة الأخيرة في صلاة المغرب !!.
فهل من مشمر لها ، وهل من مشتاق إليها ؟ ؟ .
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ :
أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ،
وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ،
وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ،
قَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ،
ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ .
صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 389)(7381) حسن.
فالفوز الفوز لمن دخلها والويل الويل لمن زحزح عنها .
قال تعالى : {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ
عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران.
وقال : {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ
إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (108) سورة هود.
فهل تعرف أيها الحبيب ماذا في الجنة حتى تشتاق إليها وتسعى لدخولها ؟ .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" قال الله تعالى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "،
واقرأوا إن شئتم قوله تعالى:{ فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بما كانوا يَعْمَلون }
رواه البخاري ومسلم.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : في كتابه القيم : " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" :
"وكيف يُقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه،
ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره،
وطهرها من كل عيب وآفة ونقص. فإن سألت: عن أرضها وتربتها، فهي المسك والزعفران.
وإن سألت: عن سقفها، فهو عرش الرحمن.
وإن سألت: عن ملاطها، فهو المسك الأذفر.
وإن سألت: عن حصبائها، فهو اللؤلؤ والجوهر.
وإن سألت: عن بنائها، فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، لا من الحطب والخشب.
وإن سألت: عن أشجارها، فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب.
وإن سألت: عن ثمرها، فأمثال القلال، ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وإن سألت: عن ورقها، فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وإن سألت: عن أنهارها، فأنهارها من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين،
وأنهار من عسل مصفى.
وإن سألت: عن طعامهم، ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون.
وإن سألت: عن شرابهم، فالتسنيم والزنجبيل والكافور.
وإن سألت: عن آنيتهم، فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير.
وإن سألت: عن سعت أبوابها، فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام،
وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.
وإن سألت: عن تصفيق الرياح لأشجارها، فإنها تستفز بالطرب من يسمعها.
وإن سألت: عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مئة عام لا يقطعها.
وإن سألت: عن خيامها وقبابها، فالخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام.
وإن سألت: عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية، تجري من تحتها الأنهار.
وإن سألت: عن ارتفاعها، فانظر إلى الكواكب ، أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار.
وإن سألت: عن لباس أهلها، فهو الحرير والذهب.
وإن سألت: عن فرشها، فبطائنها من إستبرق مفروشة في أعلى الرتب.
وإن سألت: عن أرائكها، فهي الأسرة عليها البشخانات، وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب،
فما لها من فروج ولا خلال. وإن سألت: عن أسنانهم، فأبناء ثلاثة وثلاثين،
على صورة آدم عليه السلام، أبي البشر.
وإن سألت: عن وجوه أهلها وحسنهم، فعلى صورة القمر.
وإن سألت: عن سماعهم، فغناء أزواجهم من الحور العين،
وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين.
وإن سألت: عن مطاياهم التي يتزاورون عليها، فنجائب أنشأها الله مما شاء،
تسير بهم حيث شاؤوا من الجنان.
وإن سألت: عن حليهم وشارتهم، فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان.
وإن سألت: عن غلمانهم، فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.
وإن سألت: عن عرائسهم وأزواجهم، فهن الكواعب الأتراب، اللائي جرى في أعضائهن ماء الشباب،
فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللدقة واللطافة ما دارت عليه الخصور.
تجري الشمس في محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا تبسمت،
وإذا قابلت حبها فقل ما شئت في تقابل النيرين، وإذا حادثته فما ظنك في محادثة الحبيبين،
وإن ظمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها،
كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها [الصيقل: جلاء السيوف،
والمقصود هنا تشبيه وجه الحوراء بالمرآة التي جلاها ولمعها منظفها
حتى بدت أنظف وأجلى ما يكون]، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم،
ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها.
لو أطلت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه الخلائق
تهليلا وتكبيراً و تسبيحاً، ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين،
ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم،
ولآمن كل من رآها على وجه الأرض بالله الحي القيوم،
ونصيفها (الخمار) على رأسها خير من الدنيا وما فيها.
ووصاله أشهى إليها من جميع أمانيها، لا تزداد على تطاول الأحقاب
إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد على طول المدى إلا محبةً ووصالاً،
مبرأة من الحبل (الحمل) والولادة والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط
والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس.
لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيب وصالها،
قد قصرت طرفها على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه، وقصرت طرفه عليها
فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته،
وإن غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني والأمان. هذا ولم يطمثها قبله أنس ولا جان،
كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً، وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً،
وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً.
وإن سألت: عن السن، فأتراب في أعدل سن الشباب.
وإن سألت: عن الحسن، فهل رأيت الشمس والقمر.
وإن سألت: عن الحدق (سواد العيون) فأحسن سواد، في أصفى بياض،
في أحسن حور (أي: شدة بياض العين مع قوة سوادها.
وإن سألت: عن القدود، فهل رأيت أحسن الأغصان.
وإن سألت: عن اللون، فكأنه الياقوت والمرجان.
وإن سألت: عن حسن الخلق، فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمع لهن
بين الحسن والإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس وقرة النواظر.
وإن سألت: عن حسن العشرة، ولذة ما هنالك: فهن العروب المتحببات إلى الأزواج،
بلطافة التبعل، التي تمتزج بالزوج أي امتزاج.
فما ظنك بامرأة إذا ضحكت بوجه زوجها أضاءة الجنة من ضحكها،
وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقل في بروج فلكها،
وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة، وإن خاصرته فيا لذت تلك المعانقة والمخاصرة:
وحديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملي وإن هي أوجزت *** ود المحدث أنها لم توجز
إن غنت فيا لذت الأبصار والأسماع، وإن آنست وأنفعت
فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبلت فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل،
وإن نولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل.
هذا، وإن سألت: عن يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه،
كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر، كما تواتر النقل فيه عن الصادق المصدوق،
وذلك موجود في الصحاح، والسنن المسانيد، ومن رواية جرير، وصهيب،
وأنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي سعيد،
فاستمع يوم ينادي المنادي: يا أهل الجنة : إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحيى على زيارته،
فيقولون سمعاً وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم،
فيستوون على ظهورها مسرعين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداّ،
وجمعوا هناك، فلم يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب سبحانه وتعالى بكرسيه فنصب هناك،
ثم نصبت لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب،
ومنابر من فضة، وجلس أدناهم - وحاشاهم أن يكون بينهم دنئ - على كثبان المسك،
ما يرون أصحاب الكراسي فوقهم العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم،
واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي: يا أهل الجنة : سلام عليكم.
فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة :
فيكون أول ما يسمعون من تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد.
فيجتمعون على كلمة واحدة:
أن قد رضينا، فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة :إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي،
هذا يوم المزيد، فسلوني فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه.
فيكشف الرب جل جلاله الحجب، ويتجلا لهم فيغشاهم من نوره
ما لو لا أن الله سبحانه وتعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا. ولا يبقى في ذلك المجلس
أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة، حتى إنه يقول: يا فلان، أتذكر يوم فعلت كذا وكذا،
يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول:
بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه. فيا لذت الأسماع بتلك المحاضرة.
ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة.
ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)
تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ( القيامة:22-25) .
ولله أبصارٌ تـرى اللهَ جهرة ً *** فـلا الضَّيْمُ يَغشاها ولا هي تَسـأَََمُ
فيا نظرة ًأهدت إلى الوجه نضرة ً *** أَمِنْ بعدها يَسْلُو المحبُّ المتَيَّمُ
ولله كَمْ مِن خيرة ٍإنْ تبَسّمتْ *** أضاءَ لهـا نورٌ من الفجر ِأعظمُ
فيا لذةََ الأبصار ِإنْ هي أقْـبَلتْ *** ويا لـذَّةَ الأسماع ِحـينَ تَـكَلَّمُ
وفي الجنة أيها الأحبة لا يوجد إنسان إلا ويكون جميلَ الصورة
فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَتْفُلُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ،
أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشَحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ (وهو عُودُ الطِّيبِ)
أَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدم
سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ " رواه البخاري ومسلم.
وأقل مؤمن في الجنة، نسأل الله تعالى أن يدخلنا إياها بلا عذاب، يكون له مثل هذه الدنيا وعشرة أمثالها
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم" إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ
خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الجنّة رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له:
اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى
فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأى فَيَرْجِعُ
فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجلَّ له :اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا
وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بي أَوْ تَضْحَكُ بي وَأَنْتَ الْمَلِكُ،
قال: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فكَانَ يَقُولُ:
" ذَلكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً"
وقد جاء أيضا عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه و أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا دَخلَ أهلُ الجَنةِ الجَنةَ يُنَادِي مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا
وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا
وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا " رواه مسلم.
وبعد هذا الوصف هل تريد دخول الجنة ؟
نعم أريد خول الجنة .
فماذا أفعل حتى أدخلها ؟ .
حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم يذكر لك أشياء كثيرة تؤهلك لدخول الجنة منها :
- قال صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ،
أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ،
ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة ). رواه البخاري.
- (( من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة )) [ البخاري ].
- (( من آمن بالله وبرسوله ، وأقام الصلاة ، وصام رمضان ، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ))
[ البخاري ].
- (( من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة )) [ البخاري ].
- (( من صلى البردين دخل الجنة )) [ البخاري ].( البردان : العصر والفجر ).
- (( من غدا إلى المسجد وراح أعدَّ الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح )) [ البخاري ].
- (( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة )) [البخاري].
- (( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة)) [ مسلم ].
- (( من قال مثل ما يقول المؤذن من قلبه دخل الجنة )) [ أبو داود ].
- (( ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة))
[ أبو داود ].
- (( من قال رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياًّ وجبت له الجنة ))
[ أبو داود ].
- (( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ))[ أبو داود ].
- (( من مات وهو بريء من ثلاث : الكبر ، والغلول ، والدّين دخل الجنة )) [ الترمذي ].
- ((من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة )) [ الترمذي ].
- (( من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة : اللهم أدخله الجنة )) [ الترمذي ] .
- (( من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك ، وتبوأت من الجنة منزلاً ))
[ الترمذي ].
- (( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة )) [ البخاري ].
- (( تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته بأن يدخلة الجنة))
دمت لنا ودام قلمك
K!M0الجمعة أكتوبر 09, 2015 10:05 pm