الشبهة الثانية :
قالوا أن كل ما نزل من القرآن في اثبات وصف الكفر والشرك لمن جهل وغفل وتأول هو مخصوص بالكافر والمشرك الأصلى
دون المشرك المنتسب للإسلام.
الجواب :
______
أن هذا الكلام معناه أن القرآن قد نزل لأناس مشركين
ولا فائدة لنا كمسلمين آمنوا برسالة النبي من قرآة هذه الآيات
وهذا تفريغ لكلام الله من مضمونه ومن كونه كتاب هداية وارشاد لأمة النبي .
لو كان تخصيص هذه الآيات بالكفار الأصليين
دون من انتسب للاسلام (وفعل نفس فعلهم )
فيلزم على هذا التقرير أن وجوب الصلاة وحرمة الزنى والكذب ووجوب قطع يد السارق وجلد الزانى غير المحصن وقتل القاتل وأخذ الدية
خطاب لا يلزمنا ولا يتوجه لنا بل هو مخصوص بمن كان حيا زمان نزول القرآن دون من أتى بعدهم
وهذا قطعا باطل لا يشك في ذلك عاقل البته وهو رد لنصوص كتاب الله والغاء لها وهذا كفر بواح لا شك في ذلك.
والجواب على هذه الشبهة القبيحة من وجوه :
الوجه الأول :
أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند العلماء الأعلام .
الوجه الثاني :
أنه إذا كان عذرهم للمشركين العابدين للقبور بأنهم ينتسبون للإسلام
فينبغي لهم كذلك أن يحكموا بإسلام من مات قبل البعثة من كفار قريش؛ لأن كفار قريش كذلك
يزعمون الانتساب لملة إبراهيم عليه السلام،
والنصارى واليهود كل منهم يزعم الانتساب لدين سماوي أنزله الله.
يقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن رشيد بن حمدان الطويلعي ـ فك الله أسره ـ :
) فإنَّ من المسائل التي كثر فيها الاختلاف والغلط، مسألة العذر بالجهل في أصل الدين،
وكثير ممن يرى عذر الجاهل الذي يرتكب الشرك الأكبر،
يجعل العلة في ذلك انتسابه إلى الإسلام، ودعواه أنَّه من المسلمين.
فإذا عبد غير الله، ودعاه وذبح له، ونشأ على ذلك من مولده إلى مماته،
وكان يقول بلسانه إني مسلم، عده من المسلمين،
وإذا عبد غير الله ودعاه وذبح له، وكان يقول بلسانه إنِّي على الدين الذي أمرني الله به لم يعذره،
وهذا من التناقض ولا شكَّ.
وإذا أُورد عليه التسوية بين عباد القبور وعباد الأوثان وعدم عذر أحد منهم بالجهل،
جعل الفرق الانتساب إلى الإسلام، وبسبب هذا الانتساب يحكم بكفر عابد الوثن، وبإسلام عابد القبر.
والانتساب إلى الإسلام إن أُريد به الانتساب إلى الإسلام وحده دون سائر الشرائع،
فهو حكم لا دليل عليه، وإن أُريد به الانتساب إلى دين الله عز وجل،
سواء كان الانتساب إلى الإسلام الذي بُعث به محمد ، أو إلى اليهودية أو النصرانية أو غيرها من الأديان التي بُعث بها الرسل،
لزم صاحب هذه المقالة أن يحكم بإسلام جهال اليهود والنصارى وغيرهم
لأنهم منتسبون إلى دين الله الذي أمرهم باتباعه،
ووقعوا في نواقض له عن جهل، ومن عذر هؤلاء كفر وخرج من الملة، وكذّب الصحيح الصريح من الأدلة.
بل يلزمه أن يحكم بإسلام مشركي قريش قبل بعثة رسول الله ،
لأنهم على دين إبراهيم فيما يزعمون ويظنون،
وكان عندهم بعض الشعائر منه والأحكام كالحج والختان وتعظيم المشاعر،
ويقرون بالله ربًّا لا شريك له في الخلق والرزق والإحياء والإماتة،
ولكنهم يشركون مع الله غيره لتقربهم إلى الله
معتقدين أن الله أذن له بالنيابة عنه والوساطة بينه وبين خلقه تعالى الله عما يزعمون،
وعباد القبور مثلهم في كل هذا، إلا أن عباد القبور ينتسبون إلى خاتم النبيين
بدل انتساب الجاهليين إلى إبراهيم، ثم هم وإياهم سواء في كل شيء،
ولا ينفع عباد القبور اتباعهم النبي أو التزامهم بعض شرائع دينه،
كما لا ينفع كفار قريش اتباعهم إبراهيم أو التزامهم بعض شرائع دينه.
فالانتساب إلى الإسلام يُقابله الانتساب إلى ملة إبراهيم،
وبعض الشرائع التي يتعبدون بها تقابلها شرائع،
والكثرة والقلة لا تؤثر في ثبوت الإيمان والكفر،
والإقرار بالربوبية لله يُقابله إقرار أولئك بالربوبية،
وكل من الفريقين كافرٌ بالله خارج من الملة مارق من الدين،
وإن كان انتسب إلى دين صحيح وارتد عنه من أول نشأته كما هو حال كثير من القبورية ومن الجاهليين،
وبعد أن سبق ذلك إسلام الفطرة كما هو حال بعض القبوريين وأوائل من ارتد من الجاهليين.
بل حتى زعم القبوريين أنَّ ما يفعلونه من أمر الله ورسوله، يُقابله قول المشركين في الجاهلية كما حكى الله عز وجل عنهم:
(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)،
وهذا حجة غالب المشركين من عباد القبور اليوم،
بل قد لقيت من كبار مشايخ أهل الشرك المعمرين، من يحتج بحجة الكفار الأولين بعينها،
ويقول ليس لك أن تنكر ما عليه الناس لأنَّهم أخذوه عن آبائهم، وآباؤهم لا شك أنَّهم أخذوه عن آبائهم،
وأخذه الخلف عن السلف، ثم هو عن رسول الله !،
وهذا عين ما في الآية من احتجاج المشركين بأمرين: أنهم وجدوا عليه آباءهم، وأن الله أمرهم به.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية:
”ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع“،
وهذا وإن كان ورد في سياق الفاحشة التي فسرت بأنها طوافهم بالبيت عراة،
إلا أنه يدل على وجه استدلالهم بفعل آبائهم، وهو ظنهم أن فعل آبائهم عن شريعة من الله.
وهذا الغلط كما يقع من بعض المخالفين في مسألة العذر بالجهل من طلاب العلم،
فإنَّه يقع في العامة كثيرًا في عذر المعاند المنتسب إلى الإسلام،
فلا يكفرون منتسبًا إلى الإسلام أبدًا،
بل قد سمعت بعض من كانوا يسمون دعاة الصحوة ممن بدل تبديلاً كثيرًا يقول:
لا أكفِّر من يقول أنا مسلم، عند سؤاله عن مثل حافظ الأسد وطواغيت العرب من الحكام المرتدين،
وهذه عين الشبهة العامِّيَّة، وليت شعري إن كان هذا المسلك هدى وحقًّا،
فلم كلف الصديق نفسه مقاتلة مسيلمة ومن معه حتى فني خيار الصحابة
واستحرَّ القتل في القراء أهل العلم والقرآن؟! وأكثر من حكم أهل العلم بكفرهم من المرتدين،
إن لم يكن غالبهم كانوا ينتسبون إلى الإسلام ويأبون أن يُوصفوا بغيره.
بل طرد هذا القول: أن لا يكفر من يقول أنا على دين موسى، أو أنا على دين عيسى من اليهود والنصارى،
وهذا القول ممعن في الضلالة بعيد كل البعد عن دين الله وكتاب الله وسنة رسوله .
فإن قيل: لا يُسلَّم بهذا فإنَّهم كفروا بعد بعثة محمد ونسخ أديانهم،
فمقتضى هذا أنَّهم لو انتسبوا إلى الإسلام بعد بعثة محمد وبقوا على ما هم عليه عُذر جاهلهم وكان مسلمًا، ومقتضاه أيضًا أنَّ جهالهم كانوا جميعًا مسلمين مؤمنين وقت بعثة النبي ، وإنَّما كفروا ببعثته، وهذا معلوم البطلان.
وليس معنى ما تقدَّم أننا نقول إنَّه لا فرق بين المنتسب إلى الإسلام وغير المنتسب إليه من المشركين البتة،
بل انتساب الرجل إلى الإسلام بعد كفره يثبت له به الإسلام في الظاهر،
فإذا لم يلتزم أحكامه، أو ارتكب المكفرات التي تُناقض أصل التوحيد،
فإنَّه يُحكم عليه بالردة، وأما الطوائف الكفرية التي تنشأ على هذا القول،
ففي إثبات الإسلام لهم بانتسابهم إلى الإسلام قولان لأهل العلم،
فمنهم من يرى أنَّ الإسلام يثبت لهم بالانتساب وتثبت الردة بما يرتكبون من المكفرات،
ومنهم من يرى أنَّهم كفار أصليون، وأن انتسابهم كانتساب مشركي قريش إلى ملة إبراهيم،
وهو الأصح لما تقدم من عدم الفرق بين الانتسابين والله أعلم.
هذا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ) [ مسائل الاعتقاد لفضيلة الشيخ عبد العزيز الطويلعي فك الله أسره ( 50 ـ 52 ) )
- قال الإمام الشوكاني رحمه الله في رده على من يقول بأن عباد القبور مثبتون للتوحيد بخلاف غيرهم :
( ولا يخفاك أن هذا عذر باطل؛ فإن إثباتهم للتوحيد إن كان بألسنتهم فقط فهم مشركون في ذلك؛ هم واليهود والنصارى والمشركون والمنافقون، وإن كان بأفعالهم، فقد اعتقدوا في الأموات ما اعتقده أهل الأصنام في أصنامهم ) [ الرسائل السلفية ( 8 / 35 ) ].
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (ومن ذلك قولهم: إن " هذه الآية نزلت في فلان وفلان "
فبهذا يمثل بمن نزلت فيه نزلت فيه أولا وكان سبب نزولها لا يريدون به أنها آية مختصة به
كآية اللعان وآية القذف وآية المحاربة ونحو ذلك.
لا يقول مسلم إنها مختصة بمن كان نزولها بسببه. واللفظ العام وإن قال طائفة إنه يقصر على سببه فمرادهم على النوع الذي هو سببه لم يريدوا بذلك أنه يقتصر على شخص واحد من ذلك النوع.
فلا يقول مسلم إن آية الظهار لم يدخل فيها إلا أوس بن الصامت
وآية اللعان لم يدخل فيها إلا عاصم بن عدي أو هلال بن أمية:
وأن ذم الكفار لم يدخل فيه إلا كفار قريش؛ ونحو ذلك مما لا يقوله مسلم ولا عاقل. فإن محمدا قد عرف بالاضطرار من دينه أنه مبعوث إلى جميع الإنس والجن والله تعالى خاطب بالقرآن جميع الثقلين كما قال: {لأنذركم به ومن بلغ} . فكل من بلغه القرآن من إنسي وجني فقد أنذره الرسول به.) مجموع الفتاوى (16/148)
- وقد بين ابن القيم رحمه الله أن من أكثر أسباب عدم انتفاع العبد بالقرآن
هو ظنه أن آيات القرآن نزلت في أقوام عاصروا التنزيل
وأن من جاء من بعدهم لا يتناوله ما تناولهم
وإن فعل نفس فعلهم
فقال رحمه الله : "فَنَفَى سُبْحَانَهُ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ نَفْيًا مُتَرَتِّبًا، مُتَنَقِّلًا مِنَ الْأَعْلَى إِلَى مَا دُونَهُ، فَنَفَى الْمِلْكَ، وَالشِّرْكَةَ، وَالْمُظَاهَرَةَ، وَالشَّفَاعَةَ، الَّتِي يَظُنُّهَا الْمُشْرِكُ، وَأَثْبَتَ شَفَاعَةً لَا نَصِيبَ فِيهَا لِمُشْرِكٍ، وَهِيَ الشَّفَاعَةُ بِإِذْنِهِ.
فَكَفَى بِهَذِهِ الْآيَةِ نُورًا، وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً، وَتَجْرِيدًا لِلتَّوْحِيدِ، وَقَطْعًا لِأُصُولِ الشِّرْكِ وَمُوَدَّاهُ لِمَنْ عَقَلَهَا،
وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ أَمْثَالِهَا وَنَظَائِرِهَا، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْعُرُونَ بِدُخُولِ الْوَاقِعِ تَحْتَهُ، وَتَضَمُّنِهِ لَهُ، وَيَظُنُّونَهُ فِي نَوْعٍ وَفِي قَوْمٍ قَدْ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يُعْقِبُوا وَارِثًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ فَهْمِ الْقُرْآنِ.
وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنْ كَانَ أُولَئِكَ قَدْ خَلَوْا، فَقَدْ وَرِثَهُمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ، أَوْ شَرٌّ مِنْهُمْ، أَوْ دُونَهُمْ، وَتَنَاوُلُ الْقُرْآنِ لَهُمْ كَتَنَاوُلِهِ لِأُولَئِكَ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، إِذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ" أ.هـ.
- قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في الرسالة الرابعة عشر التي أرسلها إلى الشيخ عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب وأهل الدرعية والشيخ إذ ذاك في بلد العُيَينة ،
مبينًا أن الآيات تعم كل من اتصف بالوصف وتلبس بالفعل فقال - رحمه الله :
" ... انظروا في كتاب الله من أوله إلى آخره والمرجع في ذلك بما قاله المفسرون والأئمة ،
فإن جادل منافق بكون الآية نزلت في الكفار فقولوا له :
هل قال أحد من أهل العلم أولهم وآخرهم
أن هذه الآيات لا تعم من عمل بها من المسلمين؟ من قال هذا قبلك؟
وأيضًا فقولوا له هذا رد على إجماع الأمة فإن استدلالهم بالآيات النازلة في الكفار على من عمل بها ممن انتسب إلى الإسلام أكثر من أن تُذكر ،
وهذا أيضا كلام رسول الله فيمن فعل مثل هذه الأفاعيل ،
مثل الخوارج العباد الزهاد الذين يحقر الإنسان فعل الصحابة عندهم ،
وهم بالإجماع لم يفعلوا ما فعلوه إلا باجتهاد وتقرب إلى الله ،
وهذه سيرة أصحاب رسول الله فيمن خالف الدين ممن له عبادة واجتهاد مثل تحريق علي من اعتقد فيه الألوهية بالنار
وأجمع الصحابة على قتلهم ، وهؤلاء الفقهاء من أولهم إلى آخرهم عقدوا باب حكم المرتد للمسلم إذا فعل كذا وكذا ، وفي متن الإقناع أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم
أنه كافر بإجماع الأمة"أ.هـ.
فهذا بيان من شيخ الإسلام على أن
الأحكام تتنزل على أوصاف وليست على أوهام
وأن من تلبس بالشرك يسمى مشركًا
ومن قام به الكفر يسمى كافرًا ، وهؤلاء الذين يفرقون بين الفعل والفاعل
جعلوا عباد القبور مسلمين موحدين
لأنهم يعترفون بأن الله هو الخالق الرازق ، وأن الآيات التي نزلت في الكفار والمشركين
لا تنزل على عباد القبور؛
- فيرد عليهم الشيخ الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين هذا الزعم ويبطله ويقول : " وأما قول من يقول أن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين فلا تتناول من فعل فعلهم ، فهذا كفر عظيم ،
مع أن هذا قول ما يقوله إلا ثور مُرْتكِس في الجهل ،
فهل يقول أن الحدود المذكورة في القرآن والسنة لأناس كانوا وانقرضوا ؟
فلا يُحد الزاني اليوم! ولا تقطع يد السارق ! ، ونحو ذلك ،
مع أن هذا قول يُستحى من ذكره ، أفيقول هذا أن المخاطبين بالصلاة والزكاة وسائر شرائع الإسلام انقرضوا وبطل حكم القرآن "
- يقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين : " إن من منع تنزيل القرآن وما دل عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث التي تدخل في العموم اللفظي فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل ، ومن أعظم الناس تعطيلاً للقرآن وهجرًا له وعدلاً عن الاستدلال به في موارد النزاع ، فنصوص القرآن وأحكامه عامة وخاصة بخصوص السبب ،
وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود من الصد عن سبيل الله والكفر به مع معرفته "
- يبين الشيخ عبد اللطيف أن هذه الشبهة من الأسباب المانعة عن فهم القرآن وتدبره والعمل به فيقول :
" ومن الأسباب المانعة عن فهم كتاب الله أنهم ظنوا أن ما حكى الله عن المشركين
وما حكم عليهم ووصفهم به خاص بقوم مضوا وأناس سلفوا
وانقرضوا لم يعقبوا وارثًا وربما سمع بعضهم قول من يقول من المفسرين
هذه الآيات نزلت في عباد الأصنام وهذه نزلت في النصارى ،
فيظن الغر أن ذلك مختص بهم ،
وأن الحكم لا يتعداهم ،
وهذا من أكبر الأسباب التي تحول بين العبد وبين فهم القرآن والسنة "
- ويقرر الشيخ سليمان بن سحمان أن الآيات التي نزلت في الكفار تعم وتشمل كل من اتصف بوصفهم
وعمل فعلهم ، وأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيقول - رحمه الله تعالى:
" فمن فعل كما فعل المشركون من الشرك بالله ،
وصرف خالص حقه لغير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين ،
ودعاهم مع الله واستغاث بهم كما يستغيث بالله وطلب منهم مالا يُطلب إلا من الله ، فما المانع من تنزيل الآيات على من فعل كما فعل المشركون وتكفيره ،
وقد ذكر أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولكن إذا عميت قلوبهم عن معرفة الحق وتنزيل ما أنزل الله في حق المشركين على من صنع صنيعهم واحتذى حذوهم فلا حيلة فيه "
وبهذا الجواب بطلت هذه الشبهة وردت في وجه قائلها والحمد لله رب العالمين
قالوا أن كل ما نزل من القرآن في اثبات وصف الكفر والشرك لمن جهل وغفل وتأول هو مخصوص بالكافر والمشرك الأصلى
دون المشرك المنتسب للإسلام.
الجواب :
______
أن هذا الكلام معناه أن القرآن قد نزل لأناس مشركين
ولا فائدة لنا كمسلمين آمنوا برسالة النبي من قرآة هذه الآيات
وهذا تفريغ لكلام الله من مضمونه ومن كونه كتاب هداية وارشاد لأمة النبي .
لو كان تخصيص هذه الآيات بالكفار الأصليين
دون من انتسب للاسلام (وفعل نفس فعلهم )
فيلزم على هذا التقرير أن وجوب الصلاة وحرمة الزنى والكذب ووجوب قطع يد السارق وجلد الزانى غير المحصن وقتل القاتل وأخذ الدية
خطاب لا يلزمنا ولا يتوجه لنا بل هو مخصوص بمن كان حيا زمان نزول القرآن دون من أتى بعدهم
وهذا قطعا باطل لا يشك في ذلك عاقل البته وهو رد لنصوص كتاب الله والغاء لها وهذا كفر بواح لا شك في ذلك.
والجواب على هذه الشبهة القبيحة من وجوه :
الوجه الأول :
أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند العلماء الأعلام .
الوجه الثاني :
أنه إذا كان عذرهم للمشركين العابدين للقبور بأنهم ينتسبون للإسلام
فينبغي لهم كذلك أن يحكموا بإسلام من مات قبل البعثة من كفار قريش؛ لأن كفار قريش كذلك
يزعمون الانتساب لملة إبراهيم عليه السلام،
والنصارى واليهود كل منهم يزعم الانتساب لدين سماوي أنزله الله.
يقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن رشيد بن حمدان الطويلعي ـ فك الله أسره ـ :
) فإنَّ من المسائل التي كثر فيها الاختلاف والغلط، مسألة العذر بالجهل في أصل الدين،
وكثير ممن يرى عذر الجاهل الذي يرتكب الشرك الأكبر،
يجعل العلة في ذلك انتسابه إلى الإسلام، ودعواه أنَّه من المسلمين.
فإذا عبد غير الله، ودعاه وذبح له، ونشأ على ذلك من مولده إلى مماته،
وكان يقول بلسانه إني مسلم، عده من المسلمين،
وإذا عبد غير الله ودعاه وذبح له، وكان يقول بلسانه إنِّي على الدين الذي أمرني الله به لم يعذره،
وهذا من التناقض ولا شكَّ.
وإذا أُورد عليه التسوية بين عباد القبور وعباد الأوثان وعدم عذر أحد منهم بالجهل،
جعل الفرق الانتساب إلى الإسلام، وبسبب هذا الانتساب يحكم بكفر عابد الوثن، وبإسلام عابد القبر.
والانتساب إلى الإسلام إن أُريد به الانتساب إلى الإسلام وحده دون سائر الشرائع،
فهو حكم لا دليل عليه، وإن أُريد به الانتساب إلى دين الله عز وجل،
سواء كان الانتساب إلى الإسلام الذي بُعث به محمد ، أو إلى اليهودية أو النصرانية أو غيرها من الأديان التي بُعث بها الرسل،
لزم صاحب هذه المقالة أن يحكم بإسلام جهال اليهود والنصارى وغيرهم
لأنهم منتسبون إلى دين الله الذي أمرهم باتباعه،
ووقعوا في نواقض له عن جهل، ومن عذر هؤلاء كفر وخرج من الملة، وكذّب الصحيح الصريح من الأدلة.
بل يلزمه أن يحكم بإسلام مشركي قريش قبل بعثة رسول الله ،
لأنهم على دين إبراهيم فيما يزعمون ويظنون،
وكان عندهم بعض الشعائر منه والأحكام كالحج والختان وتعظيم المشاعر،
ويقرون بالله ربًّا لا شريك له في الخلق والرزق والإحياء والإماتة،
ولكنهم يشركون مع الله غيره لتقربهم إلى الله
معتقدين أن الله أذن له بالنيابة عنه والوساطة بينه وبين خلقه تعالى الله عما يزعمون،
وعباد القبور مثلهم في كل هذا، إلا أن عباد القبور ينتسبون إلى خاتم النبيين
بدل انتساب الجاهليين إلى إبراهيم، ثم هم وإياهم سواء في كل شيء،
ولا ينفع عباد القبور اتباعهم النبي أو التزامهم بعض شرائع دينه،
كما لا ينفع كفار قريش اتباعهم إبراهيم أو التزامهم بعض شرائع دينه.
فالانتساب إلى الإسلام يُقابله الانتساب إلى ملة إبراهيم،
وبعض الشرائع التي يتعبدون بها تقابلها شرائع،
والكثرة والقلة لا تؤثر في ثبوت الإيمان والكفر،
والإقرار بالربوبية لله يُقابله إقرار أولئك بالربوبية،
وكل من الفريقين كافرٌ بالله خارج من الملة مارق من الدين،
وإن كان انتسب إلى دين صحيح وارتد عنه من أول نشأته كما هو حال كثير من القبورية ومن الجاهليين،
وبعد أن سبق ذلك إسلام الفطرة كما هو حال بعض القبوريين وأوائل من ارتد من الجاهليين.
بل حتى زعم القبوريين أنَّ ما يفعلونه من أمر الله ورسوله، يُقابله قول المشركين في الجاهلية كما حكى الله عز وجل عنهم:
(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)،
وهذا حجة غالب المشركين من عباد القبور اليوم،
بل قد لقيت من كبار مشايخ أهل الشرك المعمرين، من يحتج بحجة الكفار الأولين بعينها،
ويقول ليس لك أن تنكر ما عليه الناس لأنَّهم أخذوه عن آبائهم، وآباؤهم لا شك أنَّهم أخذوه عن آبائهم،
وأخذه الخلف عن السلف، ثم هو عن رسول الله !،
وهذا عين ما في الآية من احتجاج المشركين بأمرين: أنهم وجدوا عليه آباءهم، وأن الله أمرهم به.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية:
”ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع“،
وهذا وإن كان ورد في سياق الفاحشة التي فسرت بأنها طوافهم بالبيت عراة،
إلا أنه يدل على وجه استدلالهم بفعل آبائهم، وهو ظنهم أن فعل آبائهم عن شريعة من الله.
وهذا الغلط كما يقع من بعض المخالفين في مسألة العذر بالجهل من طلاب العلم،
فإنَّه يقع في العامة كثيرًا في عذر المعاند المنتسب إلى الإسلام،
فلا يكفرون منتسبًا إلى الإسلام أبدًا،
بل قد سمعت بعض من كانوا يسمون دعاة الصحوة ممن بدل تبديلاً كثيرًا يقول:
لا أكفِّر من يقول أنا مسلم، عند سؤاله عن مثل حافظ الأسد وطواغيت العرب من الحكام المرتدين،
وهذه عين الشبهة العامِّيَّة، وليت شعري إن كان هذا المسلك هدى وحقًّا،
فلم كلف الصديق نفسه مقاتلة مسيلمة ومن معه حتى فني خيار الصحابة
واستحرَّ القتل في القراء أهل العلم والقرآن؟! وأكثر من حكم أهل العلم بكفرهم من المرتدين،
إن لم يكن غالبهم كانوا ينتسبون إلى الإسلام ويأبون أن يُوصفوا بغيره.
بل طرد هذا القول: أن لا يكفر من يقول أنا على دين موسى، أو أنا على دين عيسى من اليهود والنصارى،
وهذا القول ممعن في الضلالة بعيد كل البعد عن دين الله وكتاب الله وسنة رسوله .
فإن قيل: لا يُسلَّم بهذا فإنَّهم كفروا بعد بعثة محمد ونسخ أديانهم،
فمقتضى هذا أنَّهم لو انتسبوا إلى الإسلام بعد بعثة محمد وبقوا على ما هم عليه عُذر جاهلهم وكان مسلمًا، ومقتضاه أيضًا أنَّ جهالهم كانوا جميعًا مسلمين مؤمنين وقت بعثة النبي ، وإنَّما كفروا ببعثته، وهذا معلوم البطلان.
وليس معنى ما تقدَّم أننا نقول إنَّه لا فرق بين المنتسب إلى الإسلام وغير المنتسب إليه من المشركين البتة،
بل انتساب الرجل إلى الإسلام بعد كفره يثبت له به الإسلام في الظاهر،
فإذا لم يلتزم أحكامه، أو ارتكب المكفرات التي تُناقض أصل التوحيد،
فإنَّه يُحكم عليه بالردة، وأما الطوائف الكفرية التي تنشأ على هذا القول،
ففي إثبات الإسلام لهم بانتسابهم إلى الإسلام قولان لأهل العلم،
فمنهم من يرى أنَّ الإسلام يثبت لهم بالانتساب وتثبت الردة بما يرتكبون من المكفرات،
ومنهم من يرى أنَّهم كفار أصليون، وأن انتسابهم كانتساب مشركي قريش إلى ملة إبراهيم،
وهو الأصح لما تقدم من عدم الفرق بين الانتسابين والله أعلم.
هذا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ) [ مسائل الاعتقاد لفضيلة الشيخ عبد العزيز الطويلعي فك الله أسره ( 50 ـ 52 ) )
- قال الإمام الشوكاني رحمه الله في رده على من يقول بأن عباد القبور مثبتون للتوحيد بخلاف غيرهم :
( ولا يخفاك أن هذا عذر باطل؛ فإن إثباتهم للتوحيد إن كان بألسنتهم فقط فهم مشركون في ذلك؛ هم واليهود والنصارى والمشركون والمنافقون، وإن كان بأفعالهم، فقد اعتقدوا في الأموات ما اعتقده أهل الأصنام في أصنامهم ) [ الرسائل السلفية ( 8 / 35 ) ].
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (ومن ذلك قولهم: إن " هذه الآية نزلت في فلان وفلان "
فبهذا يمثل بمن نزلت فيه نزلت فيه أولا وكان سبب نزولها لا يريدون به أنها آية مختصة به
كآية اللعان وآية القذف وآية المحاربة ونحو ذلك.
لا يقول مسلم إنها مختصة بمن كان نزولها بسببه. واللفظ العام وإن قال طائفة إنه يقصر على سببه فمرادهم على النوع الذي هو سببه لم يريدوا بذلك أنه يقتصر على شخص واحد من ذلك النوع.
فلا يقول مسلم إن آية الظهار لم يدخل فيها إلا أوس بن الصامت
وآية اللعان لم يدخل فيها إلا عاصم بن عدي أو هلال بن أمية:
وأن ذم الكفار لم يدخل فيه إلا كفار قريش؛ ونحو ذلك مما لا يقوله مسلم ولا عاقل. فإن محمدا قد عرف بالاضطرار من دينه أنه مبعوث إلى جميع الإنس والجن والله تعالى خاطب بالقرآن جميع الثقلين كما قال: {لأنذركم به ومن بلغ} . فكل من بلغه القرآن من إنسي وجني فقد أنذره الرسول به.) مجموع الفتاوى (16/148)
- وقد بين ابن القيم رحمه الله أن من أكثر أسباب عدم انتفاع العبد بالقرآن
هو ظنه أن آيات القرآن نزلت في أقوام عاصروا التنزيل
وأن من جاء من بعدهم لا يتناوله ما تناولهم
وإن فعل نفس فعلهم
فقال رحمه الله : "فَنَفَى سُبْحَانَهُ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ نَفْيًا مُتَرَتِّبًا، مُتَنَقِّلًا مِنَ الْأَعْلَى إِلَى مَا دُونَهُ، فَنَفَى الْمِلْكَ، وَالشِّرْكَةَ، وَالْمُظَاهَرَةَ، وَالشَّفَاعَةَ، الَّتِي يَظُنُّهَا الْمُشْرِكُ، وَأَثْبَتَ شَفَاعَةً لَا نَصِيبَ فِيهَا لِمُشْرِكٍ، وَهِيَ الشَّفَاعَةُ بِإِذْنِهِ.
فَكَفَى بِهَذِهِ الْآيَةِ نُورًا، وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً، وَتَجْرِيدًا لِلتَّوْحِيدِ، وَقَطْعًا لِأُصُولِ الشِّرْكِ وَمُوَدَّاهُ لِمَنْ عَقَلَهَا،
وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ أَمْثَالِهَا وَنَظَائِرِهَا، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْعُرُونَ بِدُخُولِ الْوَاقِعِ تَحْتَهُ، وَتَضَمُّنِهِ لَهُ، وَيَظُنُّونَهُ فِي نَوْعٍ وَفِي قَوْمٍ قَدْ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يُعْقِبُوا وَارِثًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ فَهْمِ الْقُرْآنِ.
وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنْ كَانَ أُولَئِكَ قَدْ خَلَوْا، فَقَدْ وَرِثَهُمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ، أَوْ شَرٌّ مِنْهُمْ، أَوْ دُونَهُمْ، وَتَنَاوُلُ الْقُرْآنِ لَهُمْ كَتَنَاوُلِهِ لِأُولَئِكَ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، إِذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ" أ.هـ.
- قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في الرسالة الرابعة عشر التي أرسلها إلى الشيخ عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب وأهل الدرعية والشيخ إذ ذاك في بلد العُيَينة ،
مبينًا أن الآيات تعم كل من اتصف بالوصف وتلبس بالفعل فقال - رحمه الله :
" ... انظروا في كتاب الله من أوله إلى آخره والمرجع في ذلك بما قاله المفسرون والأئمة ،
فإن جادل منافق بكون الآية نزلت في الكفار فقولوا له :
هل قال أحد من أهل العلم أولهم وآخرهم
أن هذه الآيات لا تعم من عمل بها من المسلمين؟ من قال هذا قبلك؟
وأيضًا فقولوا له هذا رد على إجماع الأمة فإن استدلالهم بالآيات النازلة في الكفار على من عمل بها ممن انتسب إلى الإسلام أكثر من أن تُذكر ،
وهذا أيضا كلام رسول الله فيمن فعل مثل هذه الأفاعيل ،
مثل الخوارج العباد الزهاد الذين يحقر الإنسان فعل الصحابة عندهم ،
وهم بالإجماع لم يفعلوا ما فعلوه إلا باجتهاد وتقرب إلى الله ،
وهذه سيرة أصحاب رسول الله فيمن خالف الدين ممن له عبادة واجتهاد مثل تحريق علي من اعتقد فيه الألوهية بالنار
وأجمع الصحابة على قتلهم ، وهؤلاء الفقهاء من أولهم إلى آخرهم عقدوا باب حكم المرتد للمسلم إذا فعل كذا وكذا ، وفي متن الإقناع أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم
أنه كافر بإجماع الأمة"أ.هـ.
فهذا بيان من شيخ الإسلام على أن
الأحكام تتنزل على أوصاف وليست على أوهام
وأن من تلبس بالشرك يسمى مشركًا
ومن قام به الكفر يسمى كافرًا ، وهؤلاء الذين يفرقون بين الفعل والفاعل
جعلوا عباد القبور مسلمين موحدين
لأنهم يعترفون بأن الله هو الخالق الرازق ، وأن الآيات التي نزلت في الكفار والمشركين
لا تنزل على عباد القبور؛
- فيرد عليهم الشيخ الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين هذا الزعم ويبطله ويقول : " وأما قول من يقول أن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين فلا تتناول من فعل فعلهم ، فهذا كفر عظيم ،
مع أن هذا قول ما يقوله إلا ثور مُرْتكِس في الجهل ،
فهل يقول أن الحدود المذكورة في القرآن والسنة لأناس كانوا وانقرضوا ؟
فلا يُحد الزاني اليوم! ولا تقطع يد السارق ! ، ونحو ذلك ،
مع أن هذا قول يُستحى من ذكره ، أفيقول هذا أن المخاطبين بالصلاة والزكاة وسائر شرائع الإسلام انقرضوا وبطل حكم القرآن "
- يقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين : " إن من منع تنزيل القرآن وما دل عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث التي تدخل في العموم اللفظي فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل ، ومن أعظم الناس تعطيلاً للقرآن وهجرًا له وعدلاً عن الاستدلال به في موارد النزاع ، فنصوص القرآن وأحكامه عامة وخاصة بخصوص السبب ،
وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود من الصد عن سبيل الله والكفر به مع معرفته "
- يبين الشيخ عبد اللطيف أن هذه الشبهة من الأسباب المانعة عن فهم القرآن وتدبره والعمل به فيقول :
" ومن الأسباب المانعة عن فهم كتاب الله أنهم ظنوا أن ما حكى الله عن المشركين
وما حكم عليهم ووصفهم به خاص بقوم مضوا وأناس سلفوا
وانقرضوا لم يعقبوا وارثًا وربما سمع بعضهم قول من يقول من المفسرين
هذه الآيات نزلت في عباد الأصنام وهذه نزلت في النصارى ،
فيظن الغر أن ذلك مختص بهم ،
وأن الحكم لا يتعداهم ،
وهذا من أكبر الأسباب التي تحول بين العبد وبين فهم القرآن والسنة "
- ويقرر الشيخ سليمان بن سحمان أن الآيات التي نزلت في الكفار تعم وتشمل كل من اتصف بوصفهم
وعمل فعلهم ، وأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيقول - رحمه الله تعالى:
" فمن فعل كما فعل المشركون من الشرك بالله ،
وصرف خالص حقه لغير الله من الأنبياء والأولياء والصالحين ،
ودعاهم مع الله واستغاث بهم كما يستغيث بالله وطلب منهم مالا يُطلب إلا من الله ، فما المانع من تنزيل الآيات على من فعل كما فعل المشركون وتكفيره ،
وقد ذكر أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولكن إذا عميت قلوبهم عن معرفة الحق وتنزيل ما أنزل الله في حق المشركين على من صنع صنيعهم واحتذى حذوهم فلا حيلة فيه "
وبهذا الجواب بطلت هذه الشبهة وردت في وجه قائلها والحمد لله رب العالمين
ZeRoالأربعاء يناير 29, 2014 12:27 am