سلام: لا مساومة على المداورة
تذليل عقبة عون مسؤولية حلفائه (هيثم الموسوي)
لا يضع الرئيس المكلف تمام سلام مهلاً محددة برسم التقصير او التهديد، ولا يستثني الحكومة الحيادية من خياراته. على ابواب انقضاء الشهر العاشر على تكليفه، باتت المسافة الفاصلة عن تأليف حكومته قصيرة حقاً: حكومة سياسية جامعة اذا برّ المعنيون بوعودهم، او أبغض الحلال
نقولا ناصيف
في عشائهما الخاص في المصيطبة، في 12 كانون الثاني الجاري، حمل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الى الرئيس المكلف تمام سلام موقفين: أولهما معارضته حكومة حيادية بعدما شاع ان سلام ورئيس الجمهورية ميشال سليمان يوشكان على اعلانها وقد أعدّا تشكيلتها، وثانيهما حصيلة ما تبلّغه جنبلاط من مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا عن موافقة مثلثة على حكومة 8 ــــ 8 ـــــ 8 والمداورة في الحقائب والتخلي عن الثلث +1. كانت تلك اشارة مباشرة الى انطلاق مرحلة جديدة في تأليف الحكومة، تكشّفت جدّيتها تدريجاً بتطورات متلاحقة: تدخّل رئيس المجلس نبيه بري مفاوضاً باسم الثنائية الشيعية لتجاوز عقبة البيان الوزاري بتأجيل الخوض في مضمونه الى ما بعد صدور مراسيم التأليف، سلّم به الرئيس فؤاد السنيورة، ثم اعلان الرئيس سعد الحريري من لاهاي رغبته في مشاركة حزب الله في الائتلاف الحكومي. في فحوى الموقف المستجد للحزب انه يتكفل في وقت قصير بازالة عراقيل تنشأ في طريق التأليف.
تدحرجت كرة التأليف، وأوشكت المراسيم ان تعلن الى ان أوقفت اندفاعها عقبة بدا لوهلة انها بحصة، ثم تبين انها اكثر من ذلك بكثير، هي رفض الرئيس ميشال عون المداورة وتجريد تكتل التغيير والاصلاح من حقيبتي الطاقة والاتصالات. ثم راح يرسل اشارات سلبية الى حليفه حزب الله، فاستمهل.
مذذاك لم يطرأ تقدّم ملموس على تأليف حكومة سياسية جامعة يشترك فيها فريقا 8 و14 آذار من ضمن معادلة 8 ــــ 8 ــــ 8. جولات تفاوض مباشر وغير مباشر غير مجدية، ترافقت مع انكفاء بري الى دور المتفرج، وجنبلاط الى موقف الناصح. ثم شاع مجدداً ان رئيس الجمهورية والرئيس المكلف يلوّحان بالعودة الى الحكومة الحيادية اذا تواصل تعثر تأليف الحكومة السياسية. تواتر الكلام عن تقصير المهل، وعن اصرار الرئيسين على اصدار مراسيم التأليف.
يتفادى سلام التحدث عن اخلال بوعد قُطع له، ويقول انه لا يزال ينتظر تأكيد ما نقل اليه من اصرار على تأليف حكومة 8 ــــ 8 ــــ 8 والتزام المعايير التي وضعها منذ اليوم الاول للتكليف، وقد سلّم بها معظم الافرقاء بعد طول تمنع: مداورة + مثالثة في المقاعد + توازن في الحصص = حكومة سياسية.
يقول: «لست انا مَن يهدّد، بل عامل الوقت هو الذي يهددني. يهددنا جميعاً تحت وطأة الاوضاع غير المستقرة والتفجيرات الامنية التي في حال دفعها الى حدود معينة، لا سمح الله، يُخشى ان يفلت الزمام من يد السياسيين وتقع فتنة سنية ــــ شيعية نحن في غنى عنها. هذه هي المهل الحقيقية التي تهدّدنا، وقد وُضعت على حزب الله وسعد الحريري، وعلى نبيه بري ووليد جنبلاط والسياسيين جميعاً من اجل التقارب. لكن يبدو ان التيار الوطني الحر لا يبصر هذا التهديد».
يضيف: «كنا مقبلين على تأليف حكومة حيادية بعد 7 كانون الثاني مع عودة فخامة الرئيس من الخارج، وكنا متأهّبين لاعلانها عندما حرّك حزب الله مع وليد جنبلاط معطى جديداً لم يكن في الامكان تجاهله. طبعاً معطى يستحق التوقف عنده، جدّي ويتفق مع رؤيتنا الى حكومة سياسية جامعة، ولأن من طرحه ــــ اي حزب الله الذي هو مكون اساسي في قوى 8 آذار ــــ جدي فيه ولم يكن مجرد فكرة عابرة، بل ارادة حقيقية في المساعدة على تأليف الحكومة. علماً ان هذا الفريق كان هو وراء الاعتراض الصيف الماضي على حكومة 8 ــــ 8 ــــ 8، وحتى على حكومة 9 ـــــ 9 ــــ 6 كدنا نصل اليها مع قوى 14 آذار، فكان ان رفع حزب الله الغطاء عنها حينذاك. ها هو الآن يقول لك انه متهيب الاوضاع والتطورات، ولم يعد يجد الحل سوى في هذا الترتيب، وأدخل القوى السياسية جميعا فيه، وتلاحقت الموافقات تدريجاً من معظم الافرقاء، وكوّنا نوعاً من التوافق على حكومة جامعة ترددت أصداؤها على الرأي العام الذي وجد فيها مخرجاً لتنفيس الاحتقان الداخلي واستيعاب اي تداعيات خارجية يمكن ان تنجم عنها محاولة بث الفتنة. هل يمكن الآن وقف هذه الاندفاعة بحقيبة او وزير، وتالياً تجميد مصير البلد ونحن نجبه تحديات اقليمية واستحقاقات داخلية صعبة؟».
والبديل من ذلك؟
يقول الرئيس المكلف: «تأليف الحكومة ليس نزوة ولا هوى، بل عمل جدي لايجاد سلطة اجرائية تقوم بدورها وتمارس صلاحياتها. اذا كان هدفنا حكومة لتخفيف الاضرار واستيعاب الصدمات، بالتأكيد يجب ان نُقدِم. تحمّلت في سبيل الوصول الى حكومة تمارس هذا الدور اشهراً من المعاناة والصبر. ربما كان مردود الحكومة الحيادية على البلد غير سهل. لكن السعي الى تأليف حكومة هو الهدف في نهاية المطاف، وهو اصل الالحاح. اما اي نوع حكومة، فالخيارات مفتوحة. ثمة حكومات افضل من سواها. ليس الامر ابيض او اسود. عندما فكرنا في حكومة حيادية، كان بعد مخاض عسير اشعرنا، رئيس الجمهورية وانا، ان من الاستحالة تأليف حكومة سياسية. طبعاً لهذا الخيار عندي اولوية، لكن لا يلغي في حال استنفاد كل الوسائل العودة الى الوضع الذي مهّد لحكومة حيادية. حكومة حيادية تعتمد المعايير نفسها. غير سياسية، بلا اسماء منفرة، تعتمد المداورة، وتكون من 24 وزيراً. هي المعايير نفسها التي حدّدتها منذ كلفت واجريت استشارات نيابية، ولا أزال أتمسّك بها، واولى قواعدها التي لا عودة عنها هي المداورة في الحقائب».
ويضيف: «المداورة كما طرحتها موزعة على الطوائف وليس على الاحزاب والقوى والتيارات. المداورة بين الطوائف اولاً واخيراً، أما اذا امكنت المداورة بين القوى السياسية فهذا مزيد من خير الحكومة. لا مساومة على المداورة التي اصبحت لدي أمراً ضرورياً وملحّاً، والصيغ التي توصلت اليها في حكومة حيادية اخذت في الاعتبار حصص الافرقاء جميعاً بلا استثناء».
وهل يخشى من ان يترتب على الحكومة الحيادية مأزق اخطر من الازمة الحالية: «ممكن جداً وقد تواجه تعثّراً وربما لا تمثل امام مجلس النواب. كل الاحتمالات واردة. لكن هل نحن الآن في وضع افضل؟ عندئذ نكون امام محاولة عندما تكتشف القوى السياسية ان حكومة افضل بالتأكيد مئة مرة من عدم وجود حكومة. لا بد من سلوك اجراء ما».
مَن يغطّي الحكومة الحيادية اذا رفضها فريق اساسي؟
يجيب: «يغطيها الدستور. العمل الدستوري مشروع ومطلوب. ما دام هناك تقيّد بالاصول الدستورية، وكذلك بالبعد الميثاقي، فلا مشكلة. عندما تحقق الحكومة الحيادية المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وتراعي توزيع الحقائب على الطوائف على نحو عادل، اين الاخلال بالميثاقية عندئذ؟ ليس في الدستور نص يتحدث عن القوى السياسية او حصصها. الميثاقية هي في الطوائف والمناصفة، وليس على النحو الذي يفسرونه».
لا ينفي الرئيس المكلف واقع ان أحداً لا يتحدث عن حكومة انتقالية، بل عن حكومة تتحضر لملء الفراغ في رئاسة الجمهورية في حال تعذر انتخاب رئيس جديد قد يفسر التشبث ببعض الحقائب، ويقول: «طبعا لا يمكن نفي هذا الاحتمال في حال حصل فراغ في الرئاسة او تمديد ولاية رئيس الجمهورية، فتستمر الحكومة».
وهل يشاطر رئيس المجلس قوله ان العودة الى الحكومة الحيادية يعني المجيء بحكومة 14 آذار، يجيب: «عندما طرحت فكرة الحكومة الحيادية قبلاً انتقدتها قوى 8 آذار ولم توافق عليها. ربما نعود الى المواقف نفسها اذا أبصرت النور. طبعاً هذا من المحاذير. المواصفات لا تزال نفسها في المداورة والتوازن. اما على مستوى الاسماء فالامر عرضة للتقلب والتغيير. قد لا تعود الاسماء التي طرحت قبل اشهر ملائمة للمرحلة الحالية، او ربما دخلت اسماء جديدة. ما دامت الحكومة حيادية فلا دور للقوى السياسية في الاسماء هذه كونها غير مرتبطة بها، وتكون في هذه الحال عرضة للجوجلة بيني وبين فخامة الرئيس. نحن نملك الحرية الكاملة في اختيار الاسماء المناسبة للحقائب».
هل تكون عندئذ حكومة امر واقع؟
يقول سلام: «سبق ان قلت ان الامر الواقع هو ما تفرضه القوى السياسية. مع ذلك لا امانع فيه اذا كان يؤتي فائدة. في حين ان الحكومة الحيادية هي حكومة الواقع لأن الناس يريدونها، وقابليتهم لها اكثر منها لحكومة سياسية في ضوء ما شهدوه وسمعوه في الايام الاخيرة. طبعاً للسياسيين وجهة نظر مختلفة ومعاكسة».
مسؤولية مَن اذاً تذليل عقبة عون؟
يجيب: «مسؤولية حلفائه. لا اريد استباق الجهود كي اقول من الآن ان حلفاءه اخلّوا معي. لست من القائلين بأن هناك معطيات اقليمية او دولية ساهمت في العرقلة، بل ان القرار الذي صدر من قوى 8 و14 آذار بتسهيل تأليف الحكومة كان جدياً ومسؤولاً وملتزماً. لا دليل لديّ كي أقول كلاماً مغايراً».
والى متى سيظل ينتظر؟
يقول سلام: «انتظر الى ان اقتنع بأن ما سأقدم عليه لن يكون الافضل، ولكنني لا اريده ضررا او اذى للبنان واللبنانيين. هذا ما يتحكم بقراراتي، ويشاركني في ذلك رئيس الجمهورية على امتداد الاشهر التسعة المنصرمة مشاركة فاعلة وشفافة. لم الزم نفسي، ولا احداً سواي، وقتاً او تاريخاً رغم مرور الاحداث والظروف التي مرت ولا تزال، وانا حريص على ان لا يكون الامر مرتبطاً بتاريخ او يوم بل بما ارى فيه فائدة، وإن على حسابي الشخصي».
Mohamed Samehالجمعة يناير 31, 2014 6:05 pm